من القاتل يا تُرى؟ طائرة العدوان أم طبيب التخدير؟!

*بقلم :خولة العُفــــيري*

لم تكن الفاجعة بسيطة ولم يكن حجم الألم سطحي بل كان كبيراً تعمق في أعماق أعماق القلوب. فعندما يُنجو الجريح من إصابته البليغة التي يُرثى لها، وتحفظه رعاية الله ويحظى بالنجاة من بين زخات الصواريخ التي كادت أن تصيبه في ليلة معتمة مُكفهرة بظلامها الطاغي، وظلم العدو الذي لم تغفُ عيونه من الترصد باحثة هنا وهناك عن مجاهد أو طقم أو دراجة نارية لتضيفه إلى ضحاياها.
وبينما كان ضوء القمر غائباً، وضوء مصباح الدراجة النارية الخافت يشع لينير طريق أحد مجاهدي (المـدد) ليعبر متوخياً الحذر من التعثر في شي يعرقل طريق سيره من الحجارة أو ما شابه من العوائق.
وبينما يقود دراجته النارية لم يكمل طريقه بسلام لأنه تعثر بشيء أكبر من الحجارة عند سماع زئير طائرة الشر تحلق في سماء المنطقة تترصده ، أطفأ عادل ضوء دراجته وأكمل العــبور؛ لكن وصلت شرارة صواريخها بالقرب منه وهو على حافة جبل ، لم يكن عدوه الليل والظلام فحسب بل كان ما هو أشد منهما ظلماً وظلاما، تشقلبت الدراجة وقائدها إلى سفح الجبل، تحولّت الدراجة إلى كتلة خردة ضاعت بين الرمال ، وأما المجاهد الذي كان يقودها أصيب إصابات في جسده وأبلغها في الفك السفلي وفي قدميه ولكن بتأييد من الله لم تفارق روحه الدُنيا وسرعان ماضمدت له جراحه رجال الإسعاف الحربي ومن ثم تم نقله إلى المُستشفى العسكري (بصنعاء).

أجريت العملية بنجاح وبقيت بعض الصفائح التي في قدميه.
توالت الأيام وانقضى شهر أو شهرين حتى حان موعد نزع الصفائح التي تقيحت نهض عادل مودّعاً زوجته ذاهباً إلى المستشفى ، أوقفته زوجته قائلة “سأرافقك، دعنا نذهب سوياً” أقنعها بأن تبقى في المنزل عند أولادهما موصياً لها في أرضهما الزراعية بالإنتباه والعناية حتى يعود بعد يومين قائلاً الأمر بسيط للغاية، ممازحاً لم تتبق سوى صفيحة سيتم أخذها وأنا واقف. ذهب إلى منازل أحد أقاربه في المدينة ليمكث ليلة منتظراً صباح يوم الموعد المحدد. استيقظ صباحاً مستعداً للذهاب بمفرده حتى أوقفه أحد مجاهدي تلك الأسرة ملحاً قائلا له يا عم سأذهب معك من أجل المعاملة وتلبية احتياجاتك.
رفض مرافقته له بقوله “سأذهب بمفردي لا حاجة لهذا، سأكمل بقية المعاملة وانت تعال صباح الغد في حالة إن بقي آثار للتخدير” ذهب بمفرده ينتظر سلامته التامة بعد العملية ليعود مرابطاً في جبهة نهم حيثما كان عند إصابته.
دخل غرفة العمليات تلك الليلة من ثم جاء صباح اليوم التالي الذي سيذهب قريبه لاستقباله حامداً لله مهنئاً لعمه بسلامته.
دخل قريبه وبعض أفراد الأسرة يبحثون في زوايا الطوارئ عنه بعيونهم وقلوبهم شغوفة للقائه دخلوا إلى غرفة الجرحى ولم يجدوه. سألوا بعض الأطباء فكان الأمر غريبًا وقاهرًا بعض الشيء ،بأنه مازال في غرفة العمليات لم يصحو بعد ،فقدوا لذة الفرح لمجرد انتظار خروجه وكان الأمر مقلقاً نوعاً ما.

مرت الساعة تلو الأخرى دون نتيجة يتساءلون ماذا حصل وما الذي حدث؟ فكانت الصدمة بإن جرعة التخدير زادت عن الجرعة المُحددة مما أدت إلى تأخيره حتى ينتهي مفعول البنج.
ولكن لم ينتهِ مرت الأسابيع أسبوع تلو الآخر وأقاربائه على كراسي الممرات وعلى نوافذ العناية الفائقة يبكون تارة وينظرون إلى حالته تارة أخرى يأملون … ولو لبرهةٍ من الزمن ، أمن أفراد أسرته بتحسن حالته كما أخبرهم الأطباء الأخاصئيون بحالته مر شهر وهو جثة هامدة تقلبه الأيادي حيث تشاء لكن دون جدوى فقاموا بإجراء عملية من أجل أن يتنفس
وكانت بلا فائدة ، وبقى مُستلقياً على سرير العناية َ،واهله متسمرون على كراسي الانتظار يتذكرون كلماتهُ ، متفائلين بسلامته ، وبينما هم منتظرين بأن تصلهم رسالة ، مكالمة صوتية ، لتبشرهم بسلامته ولتسكن حربٌ طاحنة تخوضها أفكارهم حتى استقبلوا مكالمة لم يستوعبونها بأن روحه صعدت إلى ملكوت آخر مرافقاً للشهداء.

لتقنعهم بأنه كان صادقاً اصطفاه الله إلى جواره َ وكانت الشهادة أمنيةٌ في قلبِ هذا الشخص الذي تعلق قلبُه بالجهاد وحب الشهادة َ وربما في أغلبِ الأحيان تاق إليها. وكان يريد أن يختم الله مسيرة جهاده بها.

ولكن من القاتل يا ترى؟ يبدو الأمرُ مضنيًا ومتعبًا أن تحكمَ على الطبيب بالقتل المتعمد ولكن تصف يده بتلكَ اللعنة ، التي كانت جرحا يعيش مُرهُ عُمرًا عصيًا دائمًا ، فما هو حكم ذلك الطبيب الذي كان يد عون لقتل أحد الجرحى ربما لم يكون الاوغل ولكنه شخص واحد وكأنه الجميع !
وكأن الطبيب فاشلاً َ لم يدرك قيمة عمله ضمنَ حيزٍ حياة أو ممات. لم يعِ ذلك الأمر عند القيام بمهمته أو ربما نفترضها غلطة فكيــــف بغلطة تنعاد فيهِ يومًا ما فما هو دور وزارة الصحة في حالة تكررت في أكثر من مستشفى باسم الغلطة؟ ذلكَ الأمرُ فاسد ومرهق للجميع ، أكادُ أُضحي بكل ما لدي لأعرف كيفَ كانَ ذلكَ الذي يُسمى غلطة ومن أينَ منبتهُا الأول ؟

كيفَ سُميت بكلِ تلكَ البساطة القاضية على صحتنا وسلامة أمننا الداخلي ؟
كيف تزهق كلِ هذا الأرواح بهذا الكم تحت هذا المسمى؟
كيفَ تسكن هذه الغلطة في مستشفياتنا وما هو دور وزارة الصحة في بلدنا ؟

نرفض السكوت عن مثل هذه الغلطة كما نرفض العدو نرفض مسامحة الأطباء فالروح عند الله واحدة لا فرق بين روح الممرض والمريض قط كما أنني أناشد وزارة الصحة بالتحقيق في الموضوع واتخاذ القرار اللازم أمام هذا “الخطأ” وأن تأخذ الموضوع بعين الإعتبار والعبرة في آن واحد.

كما نتساءل عن عقوبة هؤلاء منتظرين الجواب من ورثة الأنبياء. وها نحنُ اليوم نقرع أبواب الإنصاف والعدل نأمل القسط كما لم نسهو عن اليد المُعينة للعدوان في قتل الجرحى وأمثالهم من أبرياء هذا الشعب.

#الجريح_الشهيد _عادل_صالح_عجلان

#اتحاد_كاتبات_اليمن

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق